حقيقة طعم الإيمان
قال: (وأما طعم الإيمان فأن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه)، وهذا كما ذكرنا في رواية حقيقة الإيمان (ولا يقول: لولا ولو أن، ويدع المراء وهو محق، ويدع الكذب في المزاح، روي ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه). وقد ورد في طعم الإيمان حديث: ( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم رسولاً )، فالإيمان له طعم؛ إذ قد يؤمن الرجل ولكن لا يذوق طعم الإيمان، فإذا كان الإنسان في حالة لو طرح في النار أحب إليه من أن يرجع عن الإيمان فقد ذاق حلاوة الإيمان وذاق طعم الإيمان، وقبل ذلك قد يفتن فيرجع والعياذ بالله. فهذا دليل على أن هذه حالة أعلى من مجرد الإيمان، ولذلك يجب على كل مؤمن أن يجتهد وأن يسعى لأن يذوق طعم الإيمان، ويخالط قلبه بشاشة الإيمان، ويذوق حلاوة الإيمان؛ لأنه متى ذاق ذلك وعرفه فإنه يؤثره على كل شيء، ولا يقدم عليه شيئاً، فيقدم نفسه وماله ومنصبه وكل شيء، ولا يمكن أن يضحي بطعم الإيمان أو بحلاوة الإيمان بعد أن ذاقها.وقد كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم من هذا النوع حين استكملوا الإيمان فذاقوا حلاوته، دل على ذلك حديث هرقل لما قال لـأبي سفيان : ( فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قال: قلت: لا ) ثم قال له: ( وسألتك: أيرتد أحد سخطة لدينه؟ فزعمت أن: لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب ). وقد كان المشركون يأتون ببعضهم في قيض مكة في صحرائها الحارة ويضعون الصخرة على صدره يريدون أن يرتد فيقول: [أحد أحد]، مع أن الله تبارك وتعالى أجاز في مثل هذه الحالة أن يكفر العبد بلسانه: (( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ))[النحل:106]، لكن لما ذاق طعم الإيمان لم يستمنع أن يقول ذلك، وإن كان جائزاً له ليتخلص من الأذى وقلبه مطمئن بالإيمان. وأما (لولا) و(لو أن) فقد ورد فيها: ( فإن (لو) تفتح عمل الشيطان )، فإذا قال العبد: لو أني فعلت كذا وكذا؛ فقد خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: ( ولا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل )، فإذا خالفه فقال: (لو) فقد أخل بأمر من أمور الإيمان وأركان الإيمان هو الرضا بقدر الله، فليس الذي يقدم ويؤخر هو عملك، فما قدره الله كائن، سواء فعلت أو لم تفعل؛ ولذلك خير لك أن تقول: قدر الله وما شاء فعل، ولا بد من أن تقوله (ولا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل).وقول (لولا) يخل بكمال التوكل، فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما في بيان الشرك الخفي: [وتقول: لولا كليبة هذا لأتانا اللصوص]، وكذلك قولك: لولا فلان لما كان وكذا، فهذا أيضاً فيه إخلال بالإيمان بالقدر، ومن ناحية أخرى فيه إخلال بالتوكل؛ لأنك إذا كنت متوكلاً على الله حق التوكل تعلم أن كل شيء من الله تبارك وتعالى فلن تقول: لولا هذا لما كان هذا.